عين الخليل

الشهيد القسامي / مجدي أبو وردة

الساعة 10:14 ص بتوقيت القــدس

الشهيد القسامي / مجدي أبو وردة
لم يبق سوى الهيكل من باص رقم 108


عودت حركة حماس وكتائبها عز الدين القسام الشعب الفلسطيني على الرد الفوري والسريع بأشكال مختلفة، وإن تأخر فذلك لأسباب أمنية وفنية أحيانا، على جرائم الاحتلال واغتيال قادها، وكانت عملية اغتيال المهندس يحيى عياش واحدة من أبرز عمليات الاغتيال الصهيونية قبل انتفاضة الأقصى وخلال مرحلة أوسلو.

وإيمانا منها بحقها في الرد جهزت كتائب القسامي الاستشهاديين إبراهيم السراحنة، ومجدي أبو وردة، من مخيم الفوار قرب الخليل لينفذا عملية الرد في قلب الكيان الغاصب، وتمكنت عملية الاستشهادي مجدي كما هو الحال بالنسبة لعملية السراحنة من إيقاع الكثير من الخسائر البشرية في صفوف الصهاينة.. وفي السطور التالية نعرج على جانب من سيرة الاستشهادي  مجدي أبو وردة.

المولد والنشأة

ولد الشهيد مجدي محمد محمودة أبو ورده في مخيم الفوار جنوب الخليل بتاريخ 23/5/1977، وهو الثاني بين إخوانه وأخواته الأحد عشر.

ودرس المراحل الابتدائية والإعدادية في مدارس المخيم، ثم أكمل  المرحلة الثانوية في مدرسة طارق بن زياد في مدينة الخليل، لكن لم يوفق بالنجاح في الثانوية العامة (التوجيهي)، فقرر التوجه إلى معهد التدريب المهني للحصول  على دورة في البلاط ليعتاش من ورائها.

منذ الصغر وحتى دخوله ميدان العمل عرف عن الشهيد الجرأة، والشجاعة وحب الآخرين، والتدين والتزام صلاة الجماعة، والنظام والترتيب، وكان من رواد مسجد الفوار القديم وصديقا لرفيقه في الشهادة إبراهيم السراحنة.

وقد شارك مجدي منذ الصغر في التصدي لقوات الاحتلال بالحجارة في مخيم الفوار لدرجة أنه اقترب من الموت أكثر من مرة حيث أطلقت عليه النار أثناء المواجهات وأصابت أصدقاءه في أكثر من موقف مما أدى إلى استشهادهم.

كما كان ناشطا في الكتابة على الجدران والمشاركة في فعاليات الحركة الإسلامية في المخيم.

هوايات وأمنيات

أما عن هوايات الشهيد فكان يعشق صيد العصافير والرياضة وخاصة كرة القدم، كان يحب الأناشيد، ويتمنى أن يتزوج، بل وتوقع أشقاؤه أن يكون أول المتزوجين لقدرته على العمل ونشاطه في توفير متطلبات الزواج، لكن بعد استشهاد يحيى عياش تأثرا كثيرا.

 يذكر أهله أنه قبيل مغادرته المنزل بيوم أسمع والدته شريط "يا أمي لا تبكي علي" دون ن يلفت ذلك انتباهها لمقصده.

الأخوة الصادقة

حرص مجدي منذ نشأه على إقامة علاقات الأخوة في الله من خلال المسجد، وكان الاستشهادي إبراهيم السراحنة، فكانا يمشيان معا ويخرجان من المسجد معا، ويعطفان على الأطفال ويوزعان عليهما الحلوى والألعاب خاصة في الأعياد، وفي آخر أيامهما شاركا في إفطار جماعي في المسجد وحرصا على خدمة كافة الحضور وتقديم الإفطار وغسل الأواني، ورفضا مشاركة أحد معهم.

واستمرت علاقة الأخوين في الله حتى الشهادة حيث خرجا من المخيم معا، فكل منهما وعلى انفراد أخبر عائلته أنه ذاهب للبحث عن عمل، ومما أقنع الناس هو استعدادات إبراهيم للزواج.

وقبيل استشهاد مجدي بأيام أخبر مجدي والده بأنه عثر على عمل في منطقة القدس ويريد التوجه إلى هناك خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة فرص العمل في مخيم الفوار، لكن عائلته لم توافق على ذلك نظرا لصغر سنه، وظل يلح عليهم بذلك حتى قرر المغادرة يوم الجمعة 23/2/1996م، فبحث عنه إخوانه دون أن يجدوه، لكنه اتصل في اليوم التالي بهم ليخبرهم أنه وصل إلى مكان عمله وهو بخير ويطلب رضا والده لأنه خرج دون موافقته.

ومن حسن تدبير الاستشهادي مجدي ورفيق دربه إبراهيم أنهما خرجا معا دون أن يشعرا أحدا بخروجهما، بل وشارك الأسير محمد أبو وردة ابن عمه المتهم بتجنيدهما وتجهيزهما في البحث عن مجدي مع أشقائه داخل المخيم.

الاستشهاد

وبعد خروج مجدي برقة إبراهيم بأيام وقعت العمليتين الاستشهاديتين في القدس وعسقلان فكان مجدي منفذ الأولى وإبراهيم منفذ الثانية.

وعلم أهله بذلك بداية من وسائل الإعلام ثم حضر بعض أفراد الأجهزة الأمنية للسلطة للسؤال عنه مما جعلهم يرجحون أن يكون هو أحد المنفذين.

واتضح فيما بعد أن الاستشهادي مجدي فجر نفسه في باص رقم 108 في القدس المحتلة في عملية بطولية أدت إلى مقتل 28 صهيونيا، وجرح نحو خمسين آخرين بجراح، وصف جراح العديد منهم بأنها خطيرة أو تتسبب في إعاقات دائمة. كما اتضح أن مجدي ارتدى زي شبان يهود، وإبراهيم ارتدى زي جنود الاحتلال.

من جهتها عززت قوات الاحتلال وجودها في محيط مخيم الفوار، ثم اقتحمته واقتحمتم بيت مجدي وقامت بتفتيشه بدقة متناهية مع تخريب محتوياته واستدعاء والدته لإجراء الفحص الطبي للتعرف على جثته.

فيما تم اعتقال العشرات من رواد المساجد والمحسوبين على حركة حماس بينهم والد الشهيد وأشقاؤه الثلاثة الذي قضوا في السجن فترات تتراوح بين عدة شهور وعامين.

بعد أربعة أيام من العملية أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن العملية، وأقيم في مخيم الفوار حفل تقبل التهاني بالشهيد مع أخيه إبراهيم السراحنة، فعاود الاحتلال اقتحام المخيم مرة أخرى واعتقل العشرات من أنصار حماس.

وبعد أسبوع من العملية هدمت قوات الاحتلال البيت المكون من عدة غرف وتسكنه عدة عائلات، واتضح فيما بعد أن ابن عمه محمد أبو وردة هو الذي كان وراء هاتين العمليتين   وحكم عليه قبل شهور بالسجن 48 مؤبدا.

وقد استقبلت الوالدة المرابطة خبر استشهاد ابنها بالصبر واحتسابه عند الله شهيدا، داعية له بالرضا والجنة، كما واصلت الصبر على استمرار ملاحقة ومطاردة أبنائها واعتقالهم، وصبرت أيضا كما صبرت عائلة أبو وردة على إجراءات العقاب الجماعي الصهيونية وبينها المنح من التصاريح والسفر وغيرها.

خلاصة

عاش الشهيد طوال حياته لاجئاً في مخيم الفوار، بعيد عن وطنه الأصلي "عراق المنشية"، وعاش الشهيد وغيره وعائلته على وعود جوفاء بالعودة، لكنه قرر أن يكون واحداً من الفرسان الذين تُعبد بدمائهم طرق العودة، فيما عائلته تحتسبه عند الله شهيداً وتذرف على الوطن الدموع وكلها أمل في عودة كريمة إلى وطنها وبلدتها.

المصدر / عين الخليل
البث المباشر