عين الخليل

الشهيد القسامي / بسام يونس المسالمة

الساعة 12:38 م بتوقيت القــدس

الشهيد القسامي / بسام يونس المسالمة
آثر الشهادة على الاستسلام

عرف عن مقاتلي القسام تفضيل الشهادة على الاستسلام، وكان الشهيد البطل بسام يونس عبد الرحمن مسالمة من سكان قرية بيت عوا غرب دورا الخليل، من أوائل الذين ساروا على هذا النهج رافضين الذل والخنوع.

الميلاد والنشأة

ولد الشهيد عام 1965، وله ثلاثة إخوان وأخت واحدة، وقد تزوج مبكرا (16عاما) وله خمسة أولاد وثلاث بنات وابنه البكر باهر متزوج ويبلغ الآن من العمر 22 عاما.
عاش الشهيد بسام في كنف والديه متنعما مرفها حيث كان الوالد كبقية شباب ورجال بيت عوا يعملون في تجارة الأثاث القديم المستورد من داخل الأرض المحتلة عام 1948م.
ولما كانت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تمتاز بالفقر وقلة الحيلة كانوا يؤثثون منازلهم وخاصة للأزواج من الأثاث القديم، الذي كان بمقدور الواحد منهم شراؤه وتأثيث بيته منه، وعليه نشطت هذه التجارة قبل الانتفاضتين، وأثرى منها من عمل فيها مثل والد الشهيد بسام فعاشت أسرة بسام عيشا كريما والتحق الشهيد بمدارس قريته بيت عوا وكان طالبا متفوقا خلوقا مؤدبا، وقد تخرج من مدرسة بيت عوا الثانوية عام 1984 حائزا على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي).

مسيرته التعليمية

دخل الشهيد بسام جامعة الخليل عام 1984م والتحق بكلية الشريعة الإسلامية فتعلم الكثير عن أمور دينه فكانت بداية صقل شخصيته الهادئة، ونشط في مجالات الأنشطة الطلابية التي كانت تقوم بها الكتلة الإسلامية ذات الحجم الأكبر في الجامعة والتي كان عمادها طلبة كلية الشريعة أمثال بسام.
وكان الشهيد مهتما بمشاكل الكتلة الإسلامية ومشكلات شبابها خاصة الذين ينوون الزواج حيث كان يساعدهم في مجال تأثيث بيوتهم وبالتقسيط المريح، ومشهود له تقديم تلك المساعدات للكثير من الشباب.
وفي المجالات الفكرية والسياسية كان الشهيد يدافع عن الكتلة الإسلامية ومشروعها الإسلامي خاصة وأنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين حيث كان هناك ثقل للعلمانيين تقوده حركة الشبيبة الطلابية المحسوبة على حركة فتح وبعض اليساريين والشيوعيين المحسوبين على الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي الفلسطيني.
وفي كل عام كانت تنظم انتخابات لمجلس اتحاد الطلبة بحيث يحشد كل فريق قوته للفوز بالمجلس الأمر الذي كان يدفع بسام دوما للتنظير للكتلة الإسلامية واستقطاب عناصر جديدة للفريق الإسلامي، فكان شخصية مقنعة جذابة وبانية.

الاعتقالات

عرف عن بسام ومنذ صغره تعلقه بالوطن وكرهه للاحتلال والعملاء ومعلوم أن سكان القرى الحدودية كقرية بسام (بيت عوا) قد فقد سكانها معظم أملاكهم في حرب عام 1948، وبجوار قريته أقام الصهاينة مغتصبات على أرض الدوايمة الفلسطينية المدمرة وأسموها مغتصبة (أماتسيا) على أنقاض قرية أم الشقف مغتصبة (شيقف)، وهذه الأخيرة جزء منها أقيم على أرض الشهيد حيث خربة أم فطيرة بمساحة 50 دنما من الأرض تعود لأهل الشهيد بسام وتئن تحت وطأة المغتصبين هناك.
ما سبق كان دافعا قويا لانخراط بسام مع شباب قريته في مقاومة الاحتلال سلميا في البداية من خلال فعاليات انتفاضة عام 1987 والتي تمثلت في المظاهرات والاحتجاجات والكتابة على الجدران، ووضع المتاريس في الشوارع لمنع السيارات العسكرية اليهودية من دخول القرية ومطاردة واعتقال المجاهدين.

الانتماء لحماس

انتمى الشهيد بسام إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس واعتقل علم 1988 على ذمة التحقيق في معتقل الظاهرية، ثم أفرج عنه بعد عدم إثبات التهم ضده وفي العام 1989 اعتقلت مجموعة مسلحة تعتبر من بدايات العمل المسلح في المنطقة ومن بدايات تشكيل كتائب القسام، واعتقل على إثر ذلك الشهيد بسام حيث خضع لتحقيق قاس جدا تمثل في الشبح والهز والضرب والحرمان من النوم حتى إن شعر رأسه قد تساقط من جراء التعذيب وحكم عليه بالسجن سنتان ونصف السنة.
وبعد خروجه من السجن عاد الشهيد لإكمال الدراسة في الجامعة وكان صلب المراس وماضيا في سبيل الله مجاهدا بالمال والنفس ومساعدا في كل عمل خير؛ فلم تثنه سنوات السجن ولا تعذيب السجانين عن إكمال مشواره الجهادي.
أعيد اعتقاله عام 1993م واتهم بمساعدة ونقل المطاردين فحكم عليه بالسجن ثمانية شهور أمضاها في سجن الخليل المركزي، وبعد الإفراج عنه عاد مرة أخرى لإكمال الدراسة ومساعدة والده بالتجارة، مع التنويه أن بسام تزوج وحسب رغبته وعمره ستة عشر عاما، وهو يعيل أسرة تعتبر بالنسبة له كبيرة، ثم أنهى متطلبات الجامعة وتخرج حاصلاً على بكالوريوس شريعة بتقدير عام جيد.

المحنة.. الاستشهاد.. والتمثيل بالجثة

كون الشهيد بسام على سجل المخابرات الصهيونية قنبلة متحركة قد تنفجر في كل حين، جند جهاز الأمن الصهيوني عملاءه لمتابعة بسام، ورصد تحركاته في المنزل وفي المحل في قريته في بيت عوا وفي محلات والده للمفروشات في الخليل وفي الجامعة حتى إنهم تابعوه في نشاطات القرية العامة التي يشارك فيها كالمخيمات الصيفية.
كانت ترد عليه تباعا تقارير واعترافات من زملاء داخل السجون وأقبية التحقيق تفيد بانتمائه إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام.
دخل الشهيد منزله الساعة الواحدة ليلا بعد أن أمضى سهرة مع زملائه المطاردين من كتائب القسام حيث قام بتأمينهم قبل الرجوع لبيته وإذا بالمنادي ينادي عليه أن سلم نفسك، وكان البيت محاصرا بقوات الاحتلال.
حينها أدرك بسام أنه يعد الدقائق الأخيرة من مشواره الجهادي، وأراد أن تكون صفحة جهادية ناصعة قبل التحاقه بالرفيق الأعلى حيث حمل مسدسه وانتظر على ما يبدو دخول مسؤول مخابرات العدو المنزل أو أحد أفراد الجيش ليطلق عليه النار فيقتله قبل أن يستشهد.
الجنود تنبهوا إلى ذلك ولم يدخلوا المنزل حتى مغادرته من الباب الخلفي حيث استطاع أن يفلت من الجنود الذين يطوقون المنزل وركض باتجاه بساتين الزيتون المجاورة.
وعلى بعد مئات الأمتار من منزله اصطدم بكمين لقوات العدو حيث اشتبك معهم، وفي تلك الأثناء كانت بيت عوا قد أصبح ليلها نهارا وسماؤها مزدحم بالطائرات وكل نواحيها قوات من المشاة والدروع والإسعاف والوحدات الخاصة، فسقط بسام شهيدا في الأول من كانون الأول عام 1995 ساقياً بدمائه الزكية أرض بيت عوا.
بلغ الحقد الصهيوني ذروته حين مثل الجنود الصهاينة بجثة الشهيد بسام وأطلقوا عليها النار وهي جثة هامدة، وقاموا بتهشيم جمجمته ببلطة حتى خرجت الدماغ من الجمجمة.
وفي تلك الليلة وصبيحة اليوم التالي حوصرت قرية بيت عوا واستجوبت المخابرات ذوي بسام في ساحة المدرسة المجاورة واعتقل شقيقه أسامة على إثرها.

بعد الاستشهاد

أقيم حفل زفاف الشهيد في مجمع إسلامي كان بسام يسعى لتأسيس مسجد ومستوصف وروضة أطفال فيه، وأمّت بيت الأجر وفود عديدة من المنطقة والجوار وألقيت الكلمات المؤثرة والحاثة على الجهاد والاستشهاد والمثنية على الشهيد والمعددة لمناقبه.
وبعد مرور أسبوع على استشهاده توفي عمه محمد حزنا عليه، حيث كان يعزه كثيرا سيما أنه كان قد زوجه ابنته فتوفي إثر سكتة قلبية.
أما أبناء الشهيد فرغم صغرهم يوم استشهد والدهم أصبحوا يعملون مع جدهم في التجارة ولا تسمح لهم المخابرات بدخول الخط الأخضر لشراء الأثاث وبيعه، يعتزون بوالدهم وجهاده وأمهم الصابرة (أم باهر) تحتسبه شهيدا عند الله، أما أهل قرية بيت عوا فلا ينسون الترحم عليه والدعاء له.

المصدر / عين الخليل
البث المباشر