عائلة القواسمي هي حكاية بحد ذاتها لا تعطيها قدرها كلمات أو تقارير، تاريخ ناصع كانت فيها التضحية والعطاء الغير مسبوق سمة بارزة ومميزة فيها، يفاجأ الكثيرون لما قدمته هذه العائلة، والتي لا يمكن وصفها إلا بتضحيات هائلة من عائلة واحده ، إنها عائلة الحاج علي القواسمي من مدينة خليل الرحمن بالضفة الغربية .
فجميع أبناء الحاج علي تعرضوا للاعتقال كما ان اثنين من أبنائه ارتقيا شهداء فبالإضافة لشهيدنا مراد القواسمي الذي سنفرد له سطورنا هذه في الذكرى السابعة لاستشهاده ، فقد سبقه للشهادة أخوه احمد في بداية انتفاضة الأقصى المباركة بتاريخ 11/12/2000 الذي قامت قوات الاحتلال بإعدامه بعد إصابته بقدمه, وقام جندي بوضع قدمه على صدر الشهيد, وفوهة سلاحه على رأسه وقام بإعدامه بدم بارد ، ليلحق به شقيقه مراد بعد أربع سنوات وإليكم تفاصيل حياته وشهادته .
الميلاد والنشأة:
ولد الشهيد مراد علي حسن القواسمي في حي وادي أبو اكتيله في القطاع الغربي من مدينة خليل الرحمن عام 1976م، وفي مدرسة الملك خالد قرب جامعة الخليل درس الابتدائية والإعدادية ولم يكمل دراسته حيث توجه إلى العمل في مجال كهرباء المنازل فأجاد المهنة وأبدع فيها مستغلا ذكائه المميز ونال سمعة طيبة وشهرة في وقت قياسي.
عرف الشهيد بذكائه وتدينه منذ الصغر حيث كان من رواد مسجد عمر بن عبد العزيز في الحي الذي يسكنه، وكان صامتا كتوما، محبا للجميع، اجتماعي أحبه كل من عرفه، كان يغضبه لانتهاك حرمات الله.
لم يكن الشهيد ذا طبع حاد أو عصبي أو سريع الغضب، لكن كانت انتهاكات الاحتلال المتواصلة وقتل الأطفال والنساء واقتلاع الأشجار تثير الغضب في نفسه ومع ذلك لم يبد شيئا من هذا لمحيطه أو أقاربه.
بدأ الشهيد معركته مع الاحتلال مبكرا حيث اعتقل عام 2003 وكاد أن يحكم عليه بالسجن نحو عشر سنوات، لكن بحنكته وذكائه استطاع أن يجد تبريرات للمحكمة حول التهم الموجهة عليه فحكم عليه عام واستأنف فخفض الحكم مرة أخرى ثم أفرج عنه.
سبق للشهيد وأن تزوج عام 2000 ولديه من الأبناء ثلاثة، لم يكن يتصور أحد من أهله أن يكون ناشطاً من كتائب القسام فكانت مطاردته مفاجئة للجميع.
تشريد سابق
قبل نحو عام من استشهاده ذاق الشهيد أبا أحمد مرارة التشريد هو وعائلته على أيدي قوات الاحتلال الصهيونية حيث دمرت الشقة التي كان قد اشتراها من شقيقه حسن عندما نسفت قوات الاحتلال عمارة الأقصى المكونة من ثمانية طوابق فوق الشهيدين القساميين عز الدين مسك وأحمد بدر بتاريخ 9-9-2003م ، ترك هذا التشريد أثره في قلب الشهيد، وظل يكتمها في قلبه كما يفعل مع مشاهدته لكل مصيبة تنال من أبناء شعبه وأحبائه.
المطاردة
ظل الشهيد يكتم ما بداخله حتى جاء ساعة الصفر ولحظة المطاردة التي بدأت بعد اعتقال المجاهد عماد القواسمي عند خروجه حيا بعد نسف منزل فوقه بمنطقة دويربان جنوب غرب الخليل .
كان الشهيد في اليوم الأول مع موعد على الإفطار عند شقيقه الأكبر فحضر هو وعائلته، وتناول معهم الإفطار لكن ما هي إلا لحظات حتى غابت آثاره وبحثوا عنه فلم يجدوه، وما هي إلا سويعات حتى داهمت قوات الاحتلال الصهيونية المكان الذي كان يتواجد فيه بحثا عنه فقلبت البيت رأسا على عقب وفتشته بدقة وسألت عنه لكن الإجابة كانت من أهله أنهم لا يعلمون مكانه وفوجئوا بغيابه ، ومن هنا عرف الأهل أن الشهيد قرر أن يكون مجاهدا مطاردا وأن يشتري الآخرة بمتاع الدنيا الزائل ، ومنذ الأول من رمضان تعرض منزله ومنزل أقاربه للمداهمة ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الجنود يقلبون البيوت والأثاث رأسا على عقب.
أيقن الأهل أن ابنهم قرر الشهادة وأنه مطلوب لأمر ربما يكون هام رغم أنهم فوجئوا وكانوا يستبعدون أن يكون منتميا لكتائب القسام أو أي تنظيم فلسطيني ، وتوقعوا أن ابنهم لا يقرر أن يكون مطاردا من شيء قليل وربما أن الاحتلال لديه معلومات كثيرة عنه حيث ذكرت الإذاعة الصهيونية أنه من المسؤولين عن عملية بئر السبع المزدوجة التي نفذت في 31/8/2004 ثأرا لدماء الشهيدين القائدين الإمام احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي .
في حملات المداهمة لبيوت أقاربه وأشقائهه وقبيل استشهاده بنحو عشرة أيام اعتقلت قوات الاحتلال أشقائه الستة حسن وحسام وحسين ومحمد ومحمود وحجازي لمدة عشرة أيام، كما اعتقلت والده رغم كبر سنه .
معركة الشهادة
في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء اقتحمت قوات الاحتلال بيوت أشقائه ثانية واعتقلت شقيقيه حسام ومحمد ، ومع صبيحة يوم الخميس 26/11/2004 بدأت الإذاعات المحلية تحدث عن محاصرة قوات الاحتلال لبيت في منطقة المسكوبية في حي الجلدة، وعندها ربطت العائلة بين الاعتقال وبين الحصار لهذا البيت وتوقعت أن يكون ابنها بين المحاصرين وتوقعت أن ينال الشهادة لأنه ليس من النوع الذي يستسلم.
وشيئا فشيئا بدأت الأخبار تتوالى وتتابع حيث تحدثت الإذاعات المحلية عن وجود محاصرين، ثم أعلن عن نسف المنزل ووجود اشتباك مسلح وأن هناك شهيدين هما المجاهدين مراد القواسمي وعمر الهيموني بالإضافة الى جريح تم اعتقاله هو المجاهد إياد أبواشخيدم .
يقول شهود عيان إن قوات الاحتلال قصفت البيت الذي بين سكانه مدير الجمعية الخيرية الإسلامية في الخليل بالرصاص والقذائف والصواريخ بعد حصاره لساعات ورفض من فيه للاستسلام ثم قامت بنفسه بالمتفجرات، وبعد التفجير وتحول البيت لركام بدأت الجرافات تبحث عن الجثث.
ويؤكد الشهود أن اشتباكا مسلحا بدأ عندما أزالت الجرافة أحد الجدران، وبعد التأكد من سقوط الشهداء واعتقال الجريح سحبت قوات الاحتلال جثث الشهيدين فوق الركام وتركتهما حتى المساء ثم سلمتهما في وقت متأخر لذويهما ، وتبين في الجثث أن الشهيد مراد سقط مقبلا غير مدبر، وأن إحدى الرصاصات بين نحو خمسة وعشرين رصاصة أصابت قلبه مباشرة ، ولكن ما يضيره كل هذا الرصاص فقد ارتقى الى ربه شهيدا بعد ان قاتل فقُتل بعد أن ثأر للشهداء القادة . .